![]() |
إعداد : كمال غزال |
في ربيع عام 1996، ضجّت وسائل الإعلام العربية والعالمية بخبر فتاة لبنانية تُدعى حسناء محمد مسلماني (12 عاماً)، ادّعى والدها أن عينيها تذرفان قطعاً صلبة من الكريستال والزجاج بدلاً من الدموع. الخبر بدا وكأنه من صفحات الأساطير، ومع كل ظهور إعلامي للطفلة ازدادت الأسئلة، بين من رأى في الأمر "معجزة" ومن اعتبره خدعة متقنة.
القصة تحولت إلى مادة مثيرة للجدل في الصحافة، خصوصاً مع العجز الطبي المبدئي عن تفسير ما يحدث، والاهتمام الديني والشعبي بها، وصولاً إلى دخول جهات رسمية سعودية على الخط لإرسال فريق طبي متخصص للتحقيق.
لغز في قرية من جنوب لبنان
بدأت الحكاية في مارس 1996، حين لاحظ والد حسناء خروج قطع صغيرة من الكريستال من عينها اليسرى بمعدل يومي وصل أحياناً إلى سبع قطع. المدهش أن الفتاة لم تكن تشعر بأي ألم، بل كانت القطع تخرج بهدوء أمام أعين والدها وجيرانها.
تم عرضها على جراح العيون اللبناني نسيب اللقز، الذي أكد بعد أسبوعين من الفحوصات أن "عيون حسناء تنتج قطعاً من الكريستال بشكل غير قابل للتفسير"، بل أعلن نيته إرسال تقرير إلى مؤتمر دولي لجراحي العيون في إسبانيا. تصريحات الطبيب ساهمت في رفع مستوى الضجة الإعلامية، حتى وصفت الصحافة الفتاة بـ "معجزة الكريستال".
الإعلام والدين يدخلان على الخط
سرعان ما جذبت القصة اهتمام الصحافة اللبنانية والعربية، وانتقلت إلى وسائل إعلام عالمية. جريدة السفير اللبنانية أفردت لها مساحة واسعة، ناقلةً الجدل بين التفسيرات الطبية الغامضة، والقراءات الدينية التي رأت فيها دليلاً على قدرة إلهية.
الوالد نفسه عزز هذا الاتجاه حين صرح أن ما يحدث مع ابنته قد يكون "قدرة روحية"، قبل أن يعود لاحقاً ويؤكد أنه يثق برأي الأطباء.
وفي هذه الفترة، تحولت حسناء إلى ما يشبه "نجمة إعلامية"، تُطارَد بعدسات الكاميرات وتُجرى معها مقابلات مكثفة، في وقت كان الغموض يضاعف من بريق القصة.
ذروة الاهتمام: الفريق الطبي السعودي
بعد أشهر من الضجة، دخلت المملكة العربية السعودية على الخط، حين استجاب الأمير سلطان بن عبد العزيز لنداء والد حسناء، وأرسل فريقاً طبياً متخصصاً في طب العيون إلى بيروت.
الفريق، الذي ضم أسماء بارزة مثل الدكتور رشيد الكحيمي والدكتور إحسان بدر، أجرى فحوصات دقيقة في مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت. وفي مؤتمر صحافي بالسفارة السعودية، أعلنوا النتائج:
- ما يحدث ليس معجزة، بل اضطراب نفسي – عصبي.
- حسناء، في لا وعيها، كانت تطحن الزجاج وتضع نثراته في عينها لجذب انتباه والديها.
- الفحص أظهر وجود التهابات سطحية سببها الزجاج، لكنها غير خطيرة.
- الطفلة بحاجة إلى علاج نفسي وليس إلى جراحات عيون.
الوالد، الذي سبق أن ربط الظاهرة بتفسيرات روحية، أذعن لرأي الأطباء قائلاً: "أهتم بمصلحة ابنتي، ولن أستغل وضعها للمتاجرة".
نهاية القصة
بعد التشخيص النهائي، اختفت "دموع الكريستال" كما ظهرت فجأة. توقفت وسائل الإعلام عن ملاحقتها، وانتهت حالة الجدل التي شغلت الرأي العام لأشهر.
لاحقاً، أعلنت السفارة السعودية أنها قدّمت 50 ألف دولار كمساعدة لعلاج حسناء نفسياً في لبنان، مؤكدة أن السفر للخارج لم يعد ضرورياً.
من جهته، كشف خبراء في ألعاب الخفة، مثل الساحر الكندي جو نيكول، أن بإمكان أي شخص إدخال قطع صغيرة من الكريستال تحت الجفن السفلي للعين دون ألم، وهو ما يفسر سبب انقطاع الظاهرة فور وضعها تحت المراقبة الطبية الدقيقة.
تحقيقات وأسئلة معلقة
رغم أن التقرير الطبي أنهى الجدل رسمياً، إلا أن القصة تركت وراءها الكثير من التساؤلات:
- كيف استمرت "الخدعة" لأشهر دون أن يكتشفها الوالدان ؟
- لماذا استغل بعض الأطباء الحادثة لتعزيز شهرتهم قبل التثبت من الحقائق ؟
- إلى أي مدى ساهم الإعلام في تضخيم الظاهرة وإكسابها طابع "المعجزة" ؟
القصة، في النهاية، تقدم نموذجاً صارخاً لكيف يمكن للخيال الشعبي والإعلام المتعطش للإثارة أن يحول حادثة بسيطة بل مرضية إلى "ظاهرة خارقة" تتصدر العناوين، قبل أن يثبت التحقيق العلمي أنها مجرد وهم.
قصة حسناء مسلماني هي تذكير حي بأن الخط الفاصل بين المعجزة والخدعة قد يكون رقيقاً للغاية، وأن غياب التمحيص العلمي يفتح الباب واسعاً أمام الخرافة والشهرة الزائفة.
فبينما رآها البعض "فتاة تذرف الكريستال"، كشف الطب في النهاية أن ما حدث لم يكن سوى انعكاس لأزمة نفسية لطفلة صغيرة تبحث عن الاهتمام.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .