وسط الزوايا الخشبية للمنازل القديمة في اقليم نيو إنجلاند الأمريكي، تقف سلالم غريبة الشكل تبدو وكأنها خرجت من حكاية خرافية، درجاتها ليست متساوية ولا متراصة، بل تتعاقب يميناً ويساراً في نمط غير مألوف، حتى إنها سميت ذات يوم بـ "سلالم الساحرات" Witches’ Stairs .
لكن ما القصة الحقيقية وراءها ؟
هل صممت فعلاً لطرد الساحرات، أم أن وراءها سبباً أكثر واقعية ؟
بين أسطورة السحر والواقع العملي
وفقًا للأسطورة الشعبية، انتشرت هذه السلالم خلال القرن السابع عشر، في خضم هستيريا محاكمات الساحرات في بلدة سالم في ولاية ماساتشوستس. وقد قيل إن هذا النمط المتعرج من الأدراج صُمم عمداً لأن الساحرات لا يستطعن تسلقه. بررت الأسطورة ذلك بأن الساحرات لا يتمتعن بتوازن جيد، أو لأن قواهن الماورائية تمنعهن من استخدام هذا النوع من السلالم... مجرد خرافة طريفة لا أكثر.
لكن الحقيقة مختلفة تماماً.
التصميم المتعاقب: ذكاء في استغلال المساحة
تُعرف هذه السلالم من الناحية المعمارية باسم السلالم المتعاقبة الدرجات Alternating Tread Stairs وهي ليست جديدة، بل وُثقت لأول مرة بشكل هندسي دقيق في أواخر القرن التاسع عشر. تقوم فكرتها على تقليص المساحة التي يشغلها الدرج، حيث تسمح بتقليل بصمته الأرضية إلى النصف تقريباً دون اللجوء إلى سلالم عمودية خطيرة أو سلالم شديدة الانحدار.
كيف تعمل ؟ ببساطة، تتناوب الدرجات لتناسب حركة القدمين بشكل متتالي: درجة للقدم اليمنى ثم أخرى لليسرى، وهكذا ، هذا يوفر مساحة رأسية كبيرة دون التضحية بالثبات أو الأمان، خصوصاً في المنازل الصغيرة ذات المساحات الضيقة.
لا أثر للساحرات في الوثائق التاريخية
لم يجد الباحثون في التاريخ المعماري أو في أرشيف محاكمات السحر أي دليل على أن هذه السلالم صُممت يوماً لمقاومة الساحرات. في الواقع، بدأت تسمية "سلالم الساحرات" بالظهور في العصر الحديث فقط، نتيجة مشاركة صور هذه السلالم على وسائل التواصل، وترافقها مع قصص أسطورية تم اختلاقها لاحقاً، ما جعل منها "أسطورة حضرية" ليس لها أساس حقيقي.
حتى الآن، لا توجد أي وثائق من القرن السابع عشر أو من فترات لاحقة تثبت أن الناس اعتقدوا فعلاً أن هذه السلالم تمنع دخول الكائنات الخارقة.
لا تزال فعالة حتى اليوم
رغم أنها فقدت سحرها الأسطوري، إلا أن "سلالم الساحرات" لا تزال في الاستخدام حتى اليوم في المنازل الصغيرة، العلّيات، والشقق ذات المساحة المحدودة. بل تم تطويرها أيضاً في منشآت صناعية بمواد معدنية لتستخدم كبديل آمن عن السلالم العمودية في المصانع والسفن.
معظم قوانين البناء الحديثة لا تسمح باستخدام هذا النوع من الأدراج في المنازل العادية بسبب معايير السلامة، لكن يُستثنى من ذلك المنشآت الصغيرة أو "المنازل المصغرة" التي تشهد رواجًا متزايدًا في السنوات الأخيرة.
حين تتلاقى الخرافة مع الذكاء البشري
قد لا تمنع هذه السلالم مرور ساحرة، لكنها بالتأكيد تمنع هدر المساحة ، إنها مثال رائع على الابتكار الهندسي الذي وُلد من الحاجة، ثم اكتسب مع الوقت هالة أسطورية زائفة ، وبينما نبتسم لسذاجة تلك الأسطورة، لا يسعنا إلا أن نُعجب بذكاء من صمم هذا الحل العملي في زمن كانت فيه كل بوصة في المنزل تُحسب بدقة.
ففي النهاية، ليست كل الخرافات بلا قيمة... بعضها يخبئ وراءه عبقرية.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .