في زحام عالم تتداخل فيه الحقيقة بالوهم ظهرت دمية صغيرة تُدعى "لابوبو" لتشغل العقول، وتثير جدلاً واسعاً بين مقتنيها وعلماء النفس، وحتى بين رجال الدين والمهتمين بعالم ما وراء الطبيعة ، فما قصة هذه الدمية ؟ ولماذا شبّهها البعض بكائن شيطاني من أساطير بلاد الرافدين ؟ وهل نحن أمام ظاهرة ثقافية أم لعبة تحمل في طياتها رموزاً غامضة ؟
لابوبو : دمية حديثة أم كائن من عالم آخر ؟
ظهرت لابوبو لأول مرة سنة 2015 كإبداع فني من تصميم الفنان الصيني كاسينغ لونغ، وطرحتها شركة Pop Mart تجارياً عام 2019 ضمن سلسلة "The Monsters" ذات الطابع الخيالي، تتميز الدمية بشكلها الغريب: وجه ضخم بعيون واسعة وأسنان بارزة وابتسامة طفولية، وهو ما جعلها تبدو "ظريفة ومقلقة" في آنٍ واحد ، لكن خلال عامي 2023 و2024 وامتداداً لعام 2025 تحولت إلى هوس عالمي بفضل التسويق عبر "صناديق المفاجآت" وظهورها في صور مؤثرين كبار مثل "ليسا من بلاك بينك"، مما جعلها رمزاً ثقافياً بين أوساط الشباب والمراهقين وحتى البالغين.
بازوزو : من أساطير بابل إلى وسائل التواصل
وسط تصاعد الجدل، خرجت شائعات تربط اسم "لابوبو" بكائن شيطاني اسمه بازوزو من أساطير بلاد الرافدين، ويُقال إن الاسم الحالي "تحريف" للاسم الأصلي، لكن التحقيق التاريخي ينفي ذلك تماماً، بازوزو هو شيطان أسطوري معروف في بابل وآشور، له هيئة هجينة: وجه وحشي، أجنحة نسر، أقدام أسد، وذيل عقرب، المفارقة أنه كان يُستدعى لطرد الأرواح الشريرة وحماية الأمهات والأطفال، وليس كياناً شريراً بذاته، حيث كانت تُستخدم تماثيله في الطب الوقائي الأسطوري وهو بعيد كل البعد عن أي دمية معاصرة، خاصة أن الاسم "لابوبو" صيني المنشأ ولا علاقة له باللغات السامية أو المسمارية القديمة.
رجال دين بين التحذير والتكذيب
في ظل الانتشار الكبير للدمية، خرجت أصوات دينية - إسلامية ومسيحية تحذر من اقتنائها ، بعضهم وصفها بأنها "من عمل الشيطان"، مستدلين بمقاطع منتشرة تظهر فيها الدمية تتحرك وحدها أو تحترق ذاتياً، أو بأنها "تميمة لاستحضار الطاقات السلبية" ، في المقابل، أكدت مصادر أخرى أن ما يثار حولها مبالغات شعبوية، وأن الدمية لا تتجاوز كونها لعبة تسويقية بصرية ناجحة ، لا تحمل رموزاً سحرية أو دينية، ولا علاقة لها بعوالم الجن أو الشياطين كما أشيع.
هل سُجلت تجارب ماورائية حقيقية مع لابوبو ؟
حتى لحظة كتابة هذا التحقيق، لا توجد تجربة موثقة علمياً أو سريرياً عن دمية لابوبو كمصدر لنشاطات خارقة ، وما نُشر لا يعدو كونه مقاطع فيديو مشكوك في صحتها، وفيديوهات "تيك توك" أو "ريلز" مصممة للإثارة البصرية ، كما لم تسجل حالات هلوسة أو حالات اضطراب سلوكي لها صلة بالدمية ، على العكس تبين أن غالبية مستخدميها يشعرون بـ"متعة جماعية" ترتبط بجمع الدمى النادرة، وهو سلوك نفسي معروف في علم النفس السلوكي و"ثقافة التجميع" ، إقرأ المزيد عن دمى مسكونة أو ملعونة.
لماذا هذا الهوس ؟ الجانب النفسي للانتشار
تفسير الظاهرة لا يحتاج إلى ماورائيات، بل إلى فهم سوسيولوجي ونفسي:
- تصميم غريب مألوف (Uncanny Cute): يمزج بين الجمال والغرابة، مما يثير الحيرة ويُشعل الذاكرة البصرية.
- عنصر المفاجأة (Blind Box): يخلق رغبة في التكرار والاستهلاك.
- الندرة والتميّز: نسخ محدودة بسوق موازٍ، تُباع بأسعار خيالية.
- التسويق العاطفي: تربط المستخدم بالدمية كأنها "صديق صغير".
- ثقافة الترفيه الآسيوية: تعتمد على "اللطف المخيف" كاتجاه تصميمي.
بين الحقيقة والهوس
تحقيقنا لا يكشف عن طاقة شيطانية مخفية في لابوبو بل عن قوة خفية أخرى... إنها قوة التسويق والعاطفة والتصميم في عالم ما بعد الحداثة، حيث تتحول الدمى من ألعاب أطفال إلى رموز ثقافية تؤثر على السلوك، وتثير المخاوف، وتلهب خيال الناس.
وفي الختام ، لابوبو ليست شيطانة بابل، بل انعكاس معاصر لهوس الإنسان بكل ما هو "ظريف وغريب". ومع ذلك، فإن الجنون الجماعي المحيط بها يفتح الباب دائماً لتأمل العلاقة بين الرمز، والمتلقي، والواقع ، تلك العلاقة الثلاثية التي يلتقطها موقع ما وراء الطبيعة PARANORMAL ARABIA بدقة بين العلم والأسطورة.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .