الثلاثاء، 29 يوليو 2025

حين نبتت ذراع في الكنيسة: تحقيق في أعجب مزاعم الشفاء

ذراع نمت في كنيسة معجزة شفاء
إعداد :  كمال غزال

في عالم يغص بالروايات الدينية الخارقة، قلما تثير قصة ما فضول الباحثين مثلما أثارتها شهادة تعود إلى أوائل القرن العشرين، مفادها أن شابا نبتت له ذراع جديدة خلال صلاة جماعية في معبد ديني.


 تدور هذه القصة حول المبشّرة الكندية-الأمريكية الشهيرة إيمي سمبل مكفيرسون Aimee Semple McPherson، إحدى أبرز الشخصيات الدينية في الولايات المتحدة خلال عشرينيات القرن الماضي. 

وبينما آمن أتباعها بأنها كانت واسطة معجزات، تساءل نقادها عما إذا كانت تلك الادعاءات محض خيال دعوي، أو دعاية مقصودة ، فهل حدثت هذه المعجزة فعلاً ؟ أم أنها إحدى حلقات التهويل الديني التي غذت موجة النهضة الإنجيلية آنذاك ؟

من هي إيمي سمبل مكفيرسون ؟

ولدت مكفيرسون عام 1890 في كندا، وسرعان ما أصبحت واحدة من أبرز الوجوه في حركة "العنصرة" Pentecostalism الأمريكية. وقد عُرفت بخطبها الكاريزمية، وتوظيفها المبهر للإذاعة والمسرح داخل الكنيسة، وفي عام 1923 أسست "معبد أنجلوس" في لوس أنجلوس، وهو أول كنيسة عملاقة في الولايات المتحدة، وكان يتسع لأكثر من 5000 شخص. لم تكن مجرد واعظة دينية تقليدية بل أيقونة إعلامية أحدثت ثورة في الخطاب الديني، بل وصفها البعض بأنها "نجمة هوليوودية بخلفية دينية".

اشتهرت مكفيرسون بجلسات الاستشفاء الإيماني، حيث يزعم المشاركون شفاءهم من أمراض مزمنة، أو حتى إعاقات، بفضل صلواتها. وقد اعتبر أتباعها حالات الشفاء تلك  دليلاً على "قوة الرب" بينما رأى فيها النقاد مادة خصبة للتشكيك والسخرية.

قصة نمو الذراع: الشهادة التي حيرت الجميع

أيمي سيمبل مفكرسون
أشهر القصص المنسوبة لـ مكفيرسون وأكثرها إثارة للجدل نُقلت على لسان امرأة تُدعى لورا باريت، كانت تبلغ من العمر 11 عاماً حين حضرت أحد الاجتماعات في معبد أنجلوس في عشرينيات القرن الماضي. وفي شهادة نشرتها لاحقاً في تسعينيات عمرها، قالت:

"دخل شاب فاقد لذراعه اليسرى من فوق الكوع، وطلب من الأخت مكفيرسون أن تصلي لأجله. لم يطلب عودة ذراعه، بل الصلاة من أجل مرض آخر. وخلال الصلاة، أمام أعيننا، بدأ كوع جديد بالتكوّن، ثم تمددت الذراع تدريجيًا، حتى نبتت يد كاملة بأظافرها."

بحسب لورا، تم هذا "الخلق المعجزة" خلال دقائق، وأثار صدمة وهتافاً عاماً بين الحاضرين. لكن، ورغم ضخامة الحدث، لم يتم توثيقه من أي مصدر إعلامي أو طبي آنذاك.

أين هي الأدلة ؟

رغم الانتشار الواسع لخدمات مكفيرسون، والتغطية الصحفية المستمرة لها ، خاصة بعد حادثة اختفائها الغامض عام 1926، لم تشر أي صحيفة أمريكية معاصرة إلى واقعة كهذه، مع أنها، إن صدقت، كانت لتعد من أعظم الأحداث الدينية في التاريخ الحديث.

وقد أشار بعض المحققين إلى هذه المفارقة بقولهم: "لو نبتت ذراع لرجل أمام آلاف الأشخاص، لماذا لم يتم ذكرها في الصفحات الأولى للصحف ؟ لماذا لا توجد صورة ؟ شهادة طبية ؟ توثيق مستقل ؟"

حتى الكنيسة التي أسستها مكفيرسون ، "كنيسة الإنجيل الرباعي" ، لم توثّق هذه المعجزة رسمياً في سجلاتها رغم توثيقها لحالات شفاء عديدة مثل استعادة البصر أو شفاء السرطان. بل إن مكفيرسون نفسها لم تتفاخر بهذا الحدث في خطبها أو تصريحاتها، وهو أمر محير إن كان قد وقع فعلاً.

التفسير النفسي والديني

في الأوساط الدينية المتحمسة، قد تلعب عوامل مثل الإيحاء الجماعي، والتوقع الإيماني، والرغبة في المعجزة دوراً في تضخيم التجارب أو إساءة تفسيرها. فربما ما رأته لورا – وهي طفلة في ذلك الوقت – كان طرفاً صناعياً جديداً، أو ذراعاً ناقصة بدا وكأنها "نبتت" وتم نقل القصة لاحقاً بروح إيمانية قوية.

من جهة أخرى، يجادل بعض المؤمنين بأن المعجزات لا تُمنح للعامة بل للقلوب المؤمنة، ولا يشترط أن تُثبت مادياً أو علمياً بل تكفي شهادات الأفراد الصادقين في نقلها. غير أن المنهج العلمي وحتى التاريخي لا يقبل الشهادات الفردية، مهما كانت مؤثرة، كدليل على حدوث أمر خارق للطبيعة.

بين الإيمان والدعاية

من المرجح أن رواية "نمو الذراع" قد نشأت في سياق الإعجاب الشديد بشخصية مكفيرسون، وربما تعبيراً عن حاجة جماعية إلى رموز خارقة تعزز الإيمان في حقبة شهدت حروباً وتحولات اجتماعية واسعة ، ومع أن مكفيرسون لم تُعرف بالكذب المباشر، فإن أجواء خدماتها كانت مشحونة بالإثارة والمسرح، ما جعل الحدود بين الحقيقة والدعاية الإيمانية تتداخل في بعض الأحيان.

ويُعتقد أن فريقها الإعلامي كان يدرك تأثير هذه القصص على جمهور المؤمنين، فربما غضّ الطرف عن المبالغات - إن لم يشجعها ضمنياً - لتعزيز صورة مكفيرسون كوسيط إلهي للشفاء.

رغم الإيمان العميق الذي تحمله رواية "نمو الذراع" عند بعض أتباع إيمي سمبل مكفيرسون، إلا أن التحقيقات التاريخية، وتحليل السياق الزمني، وغياب أي توثيق طبي أو إعلامي مستقل، تجعل من الصعب قبول القصة كحقيقة مؤكدة. من المرجح أنها إما تضخيم إيماني غير دقيق، أو مبالغة نشأت في أجواء الحماس الديني الجماعي.

مع ذلك، تبقى هذه الرواية مثالاً على كيف يمكن للقصص الدينية أن تتجاوز حدود المنطق والعلم، وتعيش في ذاكرة الجماعات كحقائق مقدّسة، حتى وإن غاب عنها الدليل.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .