الجمعة، 11 يوليو 2025

كرة بوجا الغامضة : تكنولوجيا غير بشرية أم خدعة متقنة ؟

تحقيق :  كمال غزال

من أعماق كولومبيا خرجت كرة لامعة لتثير واحدة من أكثر القصص إثارة للجدل في عالم الظواهر الجوية المجهولة خلال عام 2025... فهل هي جسم طائر غير معروف ؟ أم قطعة تكنولوجية أرضية بُنيت بذكاء ؟


البداية: يوم غيّر الهدوء في بلدة بوجا

في يوم 2 مارس 2025، وفي تمام الساعة 1:45 ظهراً بالتوقيت المحلي، التقط اثنان من سكان بلدة بوجا الكولومبية – هما "خوسيه" و"ماريا" – مقاطع فيديو متزامنة لجسم كروي غامض يتحرك في السماء. كلاهما صوره من موقع مختلف في البلدة، ما أضفى على التوثيق قدرًا من المصداقية.

وصف الشهود الجسم بأنه معدني، يتوهج بألوان مختلفة، ويتحرك بشكل ذكي ومتعمد: تسارع مفاجئ، انعطافات حادة، تحليق ثابت في الجو. بدا كأن الجسم يملك "إرادة حركة".

حتى أن بعض التقارير زعمت أنه اصطدم بخط كهرباء عالي الجهد قبل أن يبدأ في الهبوط بهدوء.

خصائص خارقة... وغير مألوفة

عند استعادة الكرة من قِبل أحد السكان المحليين المدعو ديفيد فيليز (الملقّب بـ El Potro)، بدأ يتكشف عالم من التفاصيل العجيبة:

- قطر الكرة: حوالي 20 سنتيمتراً فقط.

- وزنها: بدأ بـ 2 كغ على ميزان معاير، ثم ازداد تدريجياً حتى وصل إلى 9-10 كغ – دون سبب مفهوم.

- الحرارة: كانت باردة للغاية عند اللمس، أقرب إلى درجة حرارة الثلاجة.

- رد فعل غريب تجاه الماء: سكب الماء عليها تسبب في تبخره الفوري مع دخان، رغم أنها باردة – ظاهرة لم تُفسر بعد.

- أعراض جسدية: بعض من لمسها (مثل خوسيه) شعروا بأعراض مرضية كالغثيان والدوخة، بل وفقد مؤقت في بصمة الإصبع !

التصوير والتحليل الأولي: التكوين الداخلي المعقد

نُقلت الكرة لاحقاً إلى المكسيك، حيث استلمها خايمي ماوسان، الشخصية المثيرة للجدل في مجال الـ UFO، والمعروف سابقاً بعرض "مومياءات نازكا الفضائية" التي اعتُبرت لاحقاً خدعة علمية ، رغم الجدل، خضعت الكرة لفحص بالأشعة السينية تحت إشراف الدكتور خوسيه لويس فيلاسكيز (اختصاصي أشعة)، وكانت النتائج مذهلة:

- ثلاث طبقات معدنية مختلفة الكثافة.

- عدم وجود أي لحامات أو وصلات مرئية في هيكل الكرة.

- وجود 18 كرة صغيرة دقيقة (microspheres) بقطر نصف سنتيمتر تقريبًا، مرتبة بشكل هندسي متماثل حول نواة مركزية توصف بـ "رقاقة إلكترونية".

- شريط مركزي يحتوي على مزيد من الكرات الدقيقة.

- انبعاثات راديوية التُقطت من الكرة في الأيام الأولى، لكنها توقفت لاحقًا.

النقوش الغامضة

أحد أبرز الألغاز المرتبطة بالكرة هو وجود رموز غريبة منقوشة على سطحها الخارجي. وقد خضعت هذه الرموز لتحليل عبر الذكاء الاصطناعي، الذي افترض أنها قد تمثل أفكاراً مثل:

- "أصل الولادة عبر الاتحاد، الطاقة، دورة التحول، دعوة إلى الوعي الجماعي لحماية البيئة".

- كما رجحت بعض الخوارزميات أن الرموز قد تكون مستلهمة من حضارات قديمة مثل بلاد الرافدين أو أنظمة كتابة نادرة مثل الرونية أو الأوغامية. لكن هذه النقوش لم تظهر في صور الأشعة السينية، مما يشير إلى أنها سُجلت على السطح الخارجي لاحقاً، وقد لا تكون أصلية أو وظيفية.

ماوسان والمصداقية: بين الشغف والشبهة

رغم أن خايمي ماوسان (Jaime Maussan) يُعتبر من أشهر الشخصيات الإعلامية في أمريكا اللاتينية في مجال الظواهر الغامضة والـ UFOs، إلا أن اسمه ارتبط مراراً بـ ادعاءات مثيرة للجدل تم دحضها علمياً لاحقاً.

أشهر هذه القضايا كانت في عام 2023 عندما عرض "مومياءات نازكا" على البرلمان المكسيكي، زاعماً أنها كائنات غير بشرية محفوظة منذ آلاف السنين. إلا أن الفحوصات المستقلة التي أجرتها جامعات وخبراء في الطب الشرعي كشفت أن تلك "المومياءات" ليست سوى دمى مركّبة من عظام بشرية وحيوانية مغروزة داخل قوالب، ما اعتُبر خدعة صريحة.

هذه الحادثة وغيرها جعلت الكثيرين يتشككون في نزاهة ماوسان وأهدافه، خاصة مع اعتماده المفرط على العروض الإعلامية الضخمة وغياب الشفافية العلمية. كما أن تحقيقاته غالباً لا تُنشر في مجلات علمية محكّمة، بل تُعرض ضمن قنواته الخاصة أو مؤتمرات تنتمي لمجتمع الـ UFO فقط، مما يثير الريبة حول منهجيته.

في حالة كرة بوجا، أضافت هيمنة ماوسان على مجريات التحقيق مزيداً من الحذر والريبة لدى الأوساط العلمية والصحفية، خاصة وأن أي جهة أكاديمية محايدة لم تُدعَ رسمياً لتحليل الجسم أو التحقق من نتائجه حتى لحظة إعداد هذا التحقيق.

لذلك، بينما يرى البعض في ماوسان شخصية شجاعة تكسر الحواجز الرسمية، يراه آخرون صاحب تاريخ من التضليل العلمي والاستعراض الجماهيري.

علاوة على ذلك  : 

- لا توجد جامعة مرموقة مثل MIT أو CERN أعلنت رسمياً اهتمامها أو تبنيها تحقيقاً علمياً.

- لم تُنشر دراسات مراجَعة من خبراء (Peer-reviewed) حول المادة أو البنية الداخلية.

- حتى الآن، لا توجد نتائج تحليل كيميائي موثق باستخدام أجهزة متقدمة مثل SEM أو XRF.

تحليل مقاطع الفيديو: هل تم التلاعب بها ؟

في غياب تحليل رسمي أو مختبر جنائي رقمي مستقل، تم الاعتماد على تقييم بصري وتقني لعدد من مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت، خصوصاً تلك التي نشرها حساب @Truthpolex على منصة X (تويتر سابقاً)، وهي المقاطع الأولى التي أشعلت الجدل حول الجسم الطائر.

التوثيق من مصدرين مختلفين

مقطعان التُقطا في الوقت نفسه من شخصين مختلفين هما خوسيه وماريا، من موقعين مختلفين في بوجا، يُظهران نفس الكرة وهي تتحرك في السماء.

هذه "التزامنات المكانية والزمانية" تمنح المقطع نوعاً من المصداقية الظاهرية، كونها تقلل احتمال التزييف الكامل أو الـ "deepfake".

تفاصيل مثيرة للريبة

تحليل الإضاءة والظلال في بعض المقاطع أظهر تفاوتاً طفيفاً في الظلال المحيطة بالجسم مقارنة بخلفية المشهد (الأشجار والسماء)، ما يثير احتمال التلاعب أو التركيب الرقمي.

حركة الجسم بدت طبيعية في بعض المشاهد، لكن في أخرى لوحظت تسارعات فجائية غير متسقة مع قوانين الحركة الفيزيائية المعروفة (خصوصاً في الدوران والانعطاف الحاد).

عدم وجود تفاعل فيزيائي واضح للجسم مع البيئة (مثل عدم حدوث تموجات في الهواء، أو انعكاسات متسقة) في بعض المقاطع يُشير إلى احتمال أنه أُضيف رقمياً.

إشارات إلى "مونتاج احترافي"

خبراء في معالجة الفيديو أشاروا إلى احتمال أن يكون الفيديو قد خضع لتعديلات بعد التصوير، أو أنه تم دمج لقطات أصلية مع مؤثرات رقمية (CGI).

لا توجد حتى الآن نسخة خام (Raw) للمقطع الأصلي متاحة لتحليل بيانات الميتا (metadata)، مما يُصعّب التحقق الكامل.

الاستنتاج المرحلي

ليست كل المقاطع مفبركة بالضرورة، لأن بعض الفيديوهات تتضمن حركة متسقة وظروف تصوير طبيعية.

لكن وجود مقاطع يبدو عليها التعديل الرقمي، يفتح الباب لاحتمال أن جزءاً من الحدث – أو على الأقل المبالغة فيه - قد يكون نتاج معالجة رقمية أو تضخيم بصري.

حتى الآن، لا يوجد تحليل رقمي جنائي مستقل منشور علناً من جهة محايدة، مثل مختبرات تحليل الفيديو التابعة للجامعات أو وكالات علمية.

هل هي خدعة... أم شيء يتجاوز الفهم ؟

الفرضيات حول الكرة تنقسم إلى ثلاث مدارس فكرية:

جسم غير بشري (تقنية فضائية)

غياب اللحامات، الحركة الذكية، البنية الداخلية المعقدة ، لكن لا دليل قاطع على ذلك بسبب غياب الجهات العلمية المستقلة.

تقنية بشرية متقدمة

ممكن أن تكون درون سري أو مشروع عسكري بتقنية تصنيع متقدمة (مثل 3D) ، ولكنها لا تفسر مزاعم التبخر اللحظي للماء وزيادة الوزن تلقائياً.

خدعة أو مشروع فني

والدليل على ذلك أن الرموز جرى حفرها لاحقاً ، وحضور  ماوسان  وتاريخه المشكوك بمصداقيته  رغم ذلك يتحدى ذلك وجود تصوير من مصدرين وتركيب داخلي غير اعتيادي يصعب تزويره.


مقارنة مع كرة بيتز  (1974)

تذكّرنا هذه القصة بقوة بـ "كرة بيتز" Betz Sphere التي ظهرت في فلوريدا عام 1974، والتي أظهرت خصائص مشابهة: دوران تلقائي، استجابات مغناطيسية، بنية معدنية مغلقة. كما تتقاطع مع ظواهر "الكرات الطائرة" (Foo Fighters) التي طاردت الطائرات الحربية في الحرب العالمية الثانية.

ما الذي نحتاجه الآن ؟

لأجل حسم هذا اللغز، يتفق الخبراء الجادون أن المطلوب هو:

- تحليل علمي شامل للمواد (بما يشمل: SEM، تحليل طيفي، تأريخ إشعاعي).

- تحليل حاسوبي لحركة الكرة في الفيديوهات لتقييم إمكانية المحاكاة الفيزيائية.

- تحقيق شفاف ومستقل بقيادة جامعات وهيئات محايدة.

- نشر البيانات في مجلات علمية موثوقة.

ما هي حقيقة كرة بوجا  ؟

القصة الحقيقية لم تُكتب بعد ، لدينا جسم مادي حقيقي، مصور من أكثر من مصدر، ويحتوي على خصائص غريبة فعلاً. ومع ذلك، الغياب التام للجهات العلمية الكبرى، وارتباط القصة بشخصيات مشكوك في مصداقيتها، يفتح باب الشكوك على مصراعيه.

هل نكتشف لاحقاً أن الكرة قطعة من قمر صناعي سقط ؟ أم تكنولوجيا مفقودة ؟ أم أنها ببساطة، مجرد خدعة محكمة الصنع ؟
الزمن، والعلم، وحدهما من سيحسمان ذلك.

شاهد الفيديو 


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .